أحبتي في الله أحببت أن أعيش وإياكم مع قصة نبي كريم، ضرب أروع صور الصبر على البلاء، حتى صار علما عليه، ومثلا يصار إليه، فتعالوا نحلق بقلوبنا في فضاء حياته، وننهل من معين قصته، فأقول وبالله أستعين: كان أيوب _ عليه السلام _ من أثرى الأثرياء، يملك السهول والجبال، وعنده أصناف الأموال، وكثير من الأولاد والأهل، ومع كل ذلك الثراء، كان كثير الصدقة على الفقراء، والإعانة للضعفاء، لا يفتر لسانه من ذكر ربه ، ولا تنقطع جوارحه من طاعة محبوبه. مكث على تلك الحال الحسنة سنين، يتقلب في تلك النعم الدينية والدنيوية، حتى هجم عليه البلاء، فلم يترك له مالا ولا أهلا ، ولا صحة ولا عضوا سليما، إلا قلبه ولسانه، فلم يتسخط ولم يتحسر، بل استمر على الذكر وصبر، وطال مرضه حتى عافه الجليس، واستوحش منه الأنيس، وانقطع عنه الناس، فلم يبق له من يحنو عليه، ويرعى حقه، ويصلح شأنه، سوى زوجته تتردد عليه، وتقوم على خدمته، وقضاء حاجته، ثم ضعفت حالها، وقل مالها، حتى صارت تخدم عند الناس، ولا زال الأمر يشتد ويتدهور حتى باعت شعرها لأجل زوجها. فعندها، توجه إلى رب العالمين، قائلا: ( إني قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين )، فأوحى الله إليه
اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )، ففعل ذلك فنبعت عين باردة، فشرب منها واغتسل، فذهب ما كان به ظاهرا وباطنا، فجاءت امرأته على العادة، فأقبل عليها وهو بأحسن حالة، فلما رأته قالت : بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فو الله القدير على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا، فقال لها: أنا هو. وآتاه الله ( أهله ومثلهم معهم )، وكان له أندران ، أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض. فعوضه الله خيرا على صبره واحتسابه، وبهذا ننتهي من هذه القصة العظيمة، ونرجع إلى مدارجنا. فانظروا أحبتي في الله، كيف ابتلى الله تعالى هذا النبي الكريم، بهذا البلاء العظيم، وكيف عوضه الله خيرا لما احتسب وصبر. فاصبروا على ما أصابكم، وتضرعوا إلى ربكم، وليكن أنبياء الله قدوتكم. واعلموا أن ( الله يحب الصابرين )، وأن الصبر ( خير للصابرين )، وأن المسلم ما أعطي عطاء خيرا له وأوسع من صبر، وأن الله يجزي الصابرين ( بأحسن ما كانوا يعملون )، وأن المراتب العالية ( لا يلقاها إلا الصابرون )، وأن الله تعالى ( إذا أحب قوما ابتلاهم).